شبكات التواصل- قوة الرأي العام وتحديات الهيمنة الرقمية.
المؤلف: أحمد الجميعة10.04.2025

يؤكد البروفيسور سايمون أنهولت، الخبير البارز في الدبلوماسية العامة والنائب السابق لرئيس مجلسها في وزارة الخارجية البريطانية، أن "الرأي العام" هو القوة العظمى المهيمنة في عالمنا المعاصر. وتعتبر شبكات التواصل الاجتماعي المنصات الرئيسية التي تغذي هذا الرأي العام، إذ تتخطى الحدود الجغرافية والضوابط التنظيمية والقيم المجتمعية الراسخة. ففي لمح البصر، يستطيع الأفراد الاطلاع على تفاصيل الأحداث والتفاعل معها، سواء بوعي كامل أو بشكل عفوي، مما يؤدي إلى الاستقطاب والتأثير العميق على السلوك. وفي هذا السياق، يشتد التنافس بين الشركات المالكة لشبكات التواصل الاجتماعي والدول الداعمة لها، في معركة محمومة للسيطرة على البيانات المتاحة للجمهور في كل مجتمع.
تشير الإحصائيات التقريبية لعام 2024 إلى أن نحو 5.20 مليار شخص حول العالم يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي، وهو ما يمثل نسبة 64% من سكان العالم. ويعد هذا الرقم قفزة هائلة مقارنة بعام 2010، حيث كان عدد المستخدمين يقدر بمليار شخص تقريبًا. كما أن نسبة المستخدمين البالغين (الذين تبلغ أعمارهم 18 عامًا فما فوق) تصل إلى 87% من إجمالي المستخدمين. ومن اللافت للنظر أن مصطلح "تشات جي بي تي" (ChatGPT) هو الأكثر بحثًا على موقع "ويكيبيديا"، مما يعكس الاهتمام المتزايد بالذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المتنوعة.
وفي دراسة نشرها موقع "العربية نت" في نوفمبر الماضي، تبين أن عدد مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي في المملكة العربية السعودية يبلغ 35.1 مليون مستخدم، وهو ما يمثل نسبة 95.3% من إجمالي مستخدمي الإنترنت في المملكة. وتعد منصات "تيك توك" و"يوتيوب" و"سناب شات" الأكثر رواجًا وشعبية في السعودية، وذلك لأسباب تتعلق بتوثيق اللحظات الشخصية والتواصل مع الآخرين والبحث عن المحتوى الترفيهي والإعلاني ومتابعة المؤثرين واستقاء الأخبار والمعلومات والمشاركة في النقاشات المجتمعية. وأظهرت الدراسة أيضًا أن المحتوى المرئي والفيديو هما الأكثر تأثيرًا في الجمهور السعودي، حيث يقضي المستخدمون ما متوسطه 3 ساعات و10 دقائق يوميًا على هذه المنصات. وقد جعل هذا المعدل المملكة ضمن قائمة أعلى 10 دول في العالم من حيث متوسط الاستخدام اليومي لشبكات التواصل. بالإضافة إلى ذلك، يقدر حجم سوق الإعلانات الرقمية في السعودية ما بين 7.5 و11 مليار ريال سعودي، مما يجعلها من بين أكبر الأسواق الإعلانية في المنطقة.
تعكس هذه الأرقام والبيانات حقيقة دامغة مفادها أن شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت "السلطة الخامسة" المؤثرة في توجيه الرأي العام، وأن التفاعل على هذه الشبكات وصل إلى ذروته، خاصة بين الشباب. وفي المقابل، يبرز تحدٍ كبير يتعلق بقدرة الأنظمة في مختلف دول العالم على تنظيم سلوك المستخدمين على هذه الشبكات وتوضيح حقوقهم وواجباتهم. كما تظهر الحاجة إلى إيجاد بدائل فعالة لضبط وتوجيه الرأي العام بعيدًا عن أي ثغرات فكرية أو سياسية قد تستغلها أجندات عابرة للحدود، وهو الهاجس الذي تم التعبير عنه بوضوح خلال المؤتمر الثاني للإعلام العربي الذي عقد في تونس في يناير الماضي، والذي تناول تحديات "الهيمنة الرقمية العالمية" على الإعلام التقليدي ووسائل التواصل الاجتماعي وشركات إنتاج الفيديو.
وفي هذا السياق، أكد وزير الإعلام البحريني، رمزان النعيمي، وهو القانوني والقاضي السابق، خلال مشاركته في المنتدى السعودي للإعلام الشهر الماضي، أن "الأنظمة الإعلامية التقليدية لن تكون كافية لضبط سلوك المستخدمين في مواقع التواصل الاجتماعي". واقترح النعيمي بديلًا يتمثل في "تطوير بيئة محفزة على الإبداع والابتكار باستخدام هذه المواقع، مما يجعل المستخدمين في كل بلد نموذجًا في التعبير عن هويتهم ومنجزاتهم والدفاع عن مقدراتهم".
بالعودة إلى البروفيسور سايمون أنهولت وقوة الرأي العام، نؤكد أن الوعي الوطني يسبق القوة في هذا العالم المتغير. فكلما تمكنت الدول والشعوب من تعزيز هذا الوعي بالانتماء الوطني، فلن يكون هناك رأي عام يشكل تهديدًا للوحدة والمصير المشترك، لأن الوطن سيبقى دائمًا فوق المصالح الفردية مهما تباينت المواقف والتوجهات على شبكات التواصل الاجتماعي.